مأساة مركب الهجرة الغارق الذي حمل مصريين هاربين من ضيق الحال

2023.06.20 - 01:35
Facebook Share
طباعة

تبدأ محكمة يونانية اليوم الأثنين 19 يونيو/حزيران، تحقيقاتها مع 10 متهمين مصريين، بتهمة تهريب مهاجرين غير شرعيين على متن ‏مركب كان في طريقه من مدينة طبرق الليبية إلى السواحل الإيطالية.


وألقت السلطات اليونانية القبض على المتهمين عقب ‏الحادث مباشرة، على الرغم من أن شهادات الناجين تُشير إلى أن طاقم المركب والمشرفين على الرحلة كانوا 6 ‏أشخاص فقط- و ذلك بحسب ما ذكره المدير التنفيذي لمنظمة اللاجئين في مصر نور خليل.


وطالب خليل بضرورة تدخل السفارة المصرية للحيلولة دون التنكيل بالمتهمين، خاصة وأنه لم يحضر معهم أي ‏محام حتى الآن، مشددًا على ضرورة أن تشمل التحقيقات أيضاً مواجهة خفر السواحل اليونانيين باتهامات ‏التأخر في عمليات الإنقاذ رغم علمهم بأن المركب في محنة منذ يومين.‏
شقيق أحد الموقوفين الذي فضل عدم ذكر اسمه، صرّح مدافعاً عن أخيه ومشددا على براءته من تهمة الاتجار في البشر التي وجهتها إليه السلطات اليونانية، أن شقيقه سعى للهجرة بحرًا ليبحث عن حياة أفضل، مؤكداً على أنه ليس مهربا ولم يعمل يوما مع المهربين.


وكشف أنه استدان لأخيه ثمن الرحلة وانطلق قبل شهرين إلى ليبيا ليخرج منها إلى أوروبا، قائلاً: "أخويا طالع ياكل عيش ولا مهرب ولا بيتعامل مع مهربين". مطالباً السلطات المصرية للتدخل وحل القضية في أسرع وقت.


فيما أكد تامر سند، زوج شقيقة أحمد عادل، أحد المهاجرين المقبوض عليهم، أن "شقيق زوجته لا علاقة له على الإطلاق بتنظيم تلك الرحلة وكان مجرد مهاجر ضمن المهاجرين على متنها". وقال "مسكناه قبل ما يسافر ليبيا بيوم وحاولنا منعه من السفر، وأوهمنا بأنه اقتنع بوجهة نظرنا واتفاجئنا تاني يوم أنه أخد شنطة هدومه وسافر".


وتابع "أحمد عادل، ذو الـ32 عامًا، ولديه 3 أطفال، ولدين وبنت، أصغرهم عنده سنتين، وكان يعمل في مصر قبل سفره نجار مسلح، إلا أنه كان على علاقة بعدد من أبناء قريته المهاجرين إلى إيطاليا. وأضاف أن الشباب المهاجرين دول بيقعدوا يكلموا أصحابهم في مصر ويغروهم ويقولولهم الوضع هنا حلو والدنيا حلوة وبعمل فلوس كتير، فالشباب بيطمعوا ويقرروا خوض التجربة من غير أي تفكير في عواقب الهجرة غير الشرعية والمغامرة".


أما أشرف غراب، شقيق المهاجر المتهم من قبل السلطات اليونانية أحمد غراب، قال إن شقيقه سافر هربًا إلى ليبيا منذ شهر رمضان الماضي، ومكث فيها شهرين كاملين، قبل محاولته الهجرة لإيطاليا.


وأكد غراب أنه تلقى رسالة من شقيقه البالغ 38 عامًا، وأبلغه فيها بأنه على قيد الحياة، كما أبلغه باتهامه من قبل السلطات اليونانية بالتسبب في غرق المركب، وقال "المتهمين مظلومين وأخويا كان شغال عامل نقّاش باليومية هنا قبل ما يسافر، وهو لا له في مركب ولا له في حاجة".


وطالب وزارة الخارجية بالتدخل عبر السفارة المصرية لدى اليونان لإطلاق سراح شقيقه، كما طالب الأمن بإجراء تحريات أمنية عن شقيقه للتأكد من عدم مسؤوليته عن تلك الرحلة وأنه كان مجرد مهاجر عادي فيها. مشيرا إلى أن شقيقه استدان مبلغ الـ 150 ألف جنيه الخاصة بتكاليف الرحلة، وسددهم هو بعد سفر شقيقه للوسطاء الليبيين عبر أحد تطبيقات تحويل الأموال أيضًا.


ولقي عشرات المهاجرين مصرعهم، بينما لا يزال 500 شخص آخرين، في عداد المفقودين، وتتضاءل فرص العثور على ناجين منهم يوما بعد يوم، بعد أن غرقت مركب صيد تحملهم، قبالة السواحل اليونانية، يوم الأربعاء الماضي، فيما تمكنت السلطات اليونانية من إنقاذ 104 أشخاص.


وبحسب شهود عيان فإن المركب كانت تحمل حوالي 750 شخصًا، أكثرهم من المصريين، وبينهم عشرات الأطفال، لا يزالون في عداد المفقودين.


وحملت القارب مصريين من مختلف القرى المصرية. وينطلق الراغبون في الهجرة إلى ليبيا. ويصبحون في حكم «الرهائن»، حيث يتسلمهم مجموعة من المهربين، ليقوموا بإيداعهم فيما يعرف بـ«المخازن». يتواصل هؤلاء المهربون مع عائلات المهاجرين، ليطلبوا مبلغًا ثابتًا من الجميع (140 ألف جنيه أو حوالي 4500 دولار).


يقول والد محمد خالد عبد الشفيع دسوقي، أحد الأطفال ممن كانوا على متن القارب، من قرية النعامنة التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، إنه لم يكن يعرف بسفر ابنه، حتى اتصل به أحد المجهولين من ليبيا، ليخبره بأن ابنه معهم، وأنه ينبغي عليه دفع 140 ألف جنيه مقابل السماح له بالهجرة.


وتابع الأب الذي يعمل عامل زراعي، لم يكن بإمكاني الرفض لأنه هددني بقتل ابني بالرصاص إن لم أدفع، أي أن دفع المبلغ لم يكن فقط مقابل سفره بل مقابل حياته أصلًا. وأضاف دبرت المبلغ بسرعة من خلال اقتراضه من الكثير من معارفي من القرية.


واستطرد الأب، تواصل معي مجهول آخر هاتفيًا بعدها، وأخبرني بأن امرأة منتقبة ستنتظره في مقابر القرية، في ساعة محددة لاستلام المبلغ. وتابع حينما وصلت إلى هناك وجدت اثنين من أهالي القرية أيضًا يسلمونها نفس المبلغ لنفس الغرض. بعدها بأيام، تواصل معي ابني عبر هاتف مخصص لهذا الغرض يمتلكه أحد المهربين.


حاول الأب إثناءه عن السفر، لكن طفله البالغ من العمر 14 عامًا، تمسك بموقفه، قائلًا إن السفر لإيطاليا سيسمح له بالحصول على تعليم أفضل.


يقول الأب حين شاعت أنباء انقلاب المركب، اكتشفت أن إجمالي عدد الشباب والأطفال الذين غادروا القرية في هذه الرحلة، ليس مجرد ثلاثة كما كان يتوقع، بل 13 شابًا.


وبدأت المأساة صباح الثلاثاء الماضي 13 يونيو/حزيران، حين تلقت الناشطة نوال صوفي، والتي تقيم في إيطاليا الآن، مكالمة استغاثة حوالي الساعة 9:30 صباحًا، من بعض المهاجرين على متن القارب، أخبروها أن مخزونهم من مياه الشرب قد نفد.


وبحلول الحادية عشر صباحًا، أخبر مركز تنسيق الإنقاذ البحري الإيطالي السلطات اليونانية بما يحدث. بعدها بثلاث ساعات، تواصل حرس السواحل اليوناني مع المركب المأزوم. وبعد ثلاث ساعات اي عند الساعة الرابعة مساءً، تلقى Alarm Phone، وهو خط ساخن يُشرف عليه نشطاء، نداءات استغاثة من المهاجرين المأزومين في البحر المتوسط، ومعلومات حول وضع المركب وموقعه، وبعدما تحدثوا إلى بعض ممن كانوا على متنه، أرسل نشطاء Alarm Phone إيميلًا إلى السلطات اليونانية، وFRONTEX، وهم حرس السواحل التابع للاتحاد الأوروبي، ومكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليونان، في تمام الساعة 4:53 مساءً. وفي غضون ساعة، نشرت صوفي تسجيل مكالمة تليفونية، مع بعض المهاجرين على متن القارب، حيث أخبروها بوفاة ستة أشخاص على متن القارب، بينما يُسمع في خلفية المكالمة بوضوح أصوات صراخ وذعر. «فيه ناس ماتت من قِلة المية»، بحسب أحد المصريين الناجين في فيديو نُشر على فيسبوك.


تشير تسجيلات غرفة العمليات في وزارة النقل اليونانية، إلى أن سفينتين تجاريتين عرضتا تقديم طعام ومياه بين السادسة والتاسعة مساءً. وبحسب الوزارة، «رفض» من تحدثوا الإنجليزية على متن القارب المساعدة، من أحد السفن التجارية، أو حرس السواحل أو الوزارة، مؤكدين رغبتهم في إكمال رحلتهم إلى إيطاليا.


استمر هذا عدة ساعات إضافية، حتى الساعة 1:40 من صباح الأربعاء الماضي، حين أخبر أحد المهاجرين على متن المركب، وزارة النقل اليونانية بتعطل أحد المحركات عن العمل. طبقًا للوزارة، اقتربت قوة من حرس السواحل اليوناني، من المركب لتحديد المشكلة. وبحلول الساعة 2:04 صباحًا، أبلغ مسؤول على قارب حرس السواحل الوزارة، أن مركب الصيد «انحرفت إلى اليمين، ثم إلى اليسار بحدة، ثم إلى اليمين مرة أخرى بشكل كبير لدرجة أنها انقلبت».


لم يتضح السبب وراء انقلاب المركب. ما هو واضح، أن المركب توقفت تمامًا عن الحركة بحلول هذا الوقت. بعض الناجين ألمحوا إلى وجود صلة بين محاولة حرس السواحل اليوناني، سحب المركب وبين انقلابها، لكن السلطات اليونانية نفت هذا.


الأكيد أنه «في خلال عشر دقائق إلى ربع ساعة، غرقت المركب تمامًا»، بحسب سجلات غرفة العمليات، «بعض الركاب على سطح المركب سقطوا في البحر». عندها فقط بدأت عملية إنقاذ واسعة النطاق. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 1