لست عالما اقتصاديا، ولكننى أعرف المواقف الصعبة عندما تأتى، والأزمات عندما تحل بالدول والنظام العالمى والإنسان. وخلال الأعوام القليلة الماضية عشنا ثلاثة تطورات هامة: الأول أننا عرفنا طريق النمو والاستدامة الاقتصادية من خلال استثمارات كثيفة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا أقل من ثمانى سنوات. والثانى أننا واجهنا أزمات وتحديات عنيفة مثل الإرهاب؛ وأخرى مميتة مثل جائحة الكورونا؛ وثالثة لم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل جاءت من نظام دولى عجز عن منع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وانتهت إلى واقع ضاغط من التضخم، وأصابنا ذلك بكرب ليس قليل. التطور الثالث هو الظروف التى نعايشها اليوم ولها عقدها الخاصة المتشعبة ما بين العالمى والمحلى، ولكنها تتلخص فى الحاجة الماسة إلى مليارات من العملة الصعبة لسد أقساط الديون الخارجية، واستمرار العمل فى المشروعات الكبرى التى هى سبيلنا لتحقيق رؤية مصر ٢٠٣٠، والاستعداد لما سوف يأتى من أزمات عالمية عادة ما تصيبنا بآثارها السلبية. لحسن الحظ أن التطورات الأولى لم تتوقف لحظة لا بسبب العنف، ولا بسبب الوباء، ولا بسبب استمرار الحرب الأوكرانية؛ وأنها تلعب دورا أساسيا الآن فى تحمل الضغوط الحالية والقادمة. حاليا تتحرك الدولة المصرية فى اتجاهين للتعامل مع الموقف الراهن: التفاوض مع صندوق النقد الدولى ليس فقط للحصول على قروض جديدة، وإنما أكثر من ذلك للحصول على المعونة الفنية اللازمة للإصلاح الهيكلى اللازم لتشجيع القطاع الخاص المصرى على مشاركة أكثر كثافة فى الاقتصاد المصرى، وجذب الاستثمارات الأجنبية. والاتجاه الآخر هو تعبئة الموارد المحلية الخاصة والعامة فيما يتعلق بالعملة الصعبة اللازمة لمواجهة التحديات الراهنة. فى هذا التوجه الأخير يقع أمران يتوفر لهما المزايا النسبية لكى تكون لهما الأولوية فى العمل الوطنى: تنمية الصادرات، والسياحة.
المعلوم عن الصادرات المصرية فى عمومها أنها متنوعة حتى تتجاوز ٨٠ سلعة، وهنا فإن تشجيع وتحفيز منتجيها سواء كانوا فى القطاع العام أو الخاص يصبح هو المسألة، بحيث يحققون، كلٌّ فى مجاله، سقوفا جديدة من حصيلة الصادرات ويكونوا مساهمين أقوياء فى تجاوز المرحلة الصعبة الراهنة. التشجيع والتحفيز هنا يشمل زيادة الكمية، وفتح أسواق جديدة، وتعزيز القدرات التنافسية بما يكفل البقاء فى الأسواق لفترة طويلة مستقبليا. أهل العلم والمعرفة فى الأمر، والحكومة فى التجربة، لدينا ولدى غيرنا، سوف يعرفون أكثر. ما يجب أن يبقى فى الأذهان دوما أن فيتنام الدولة ذات المائة مليون نسمة مثلنا (مع ثلث مساحتنا) تحقق صادرات لعدد ٣٧٨٤ سلعة قدرها ٢٦٤.٦١٠ مليار دولار إلى ٩٧ دولة.
المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط