امتحانات الثانوية العامة كما كل شيء في فلسطين، حالة مختلفة عما يحدث في كل دول العالم، فإذا كانت هذه الامتحانات تُدخل الطالب مرحلة جديدة في حياته العلمية وتحدد ملامح مستقبله، والاستعداد لها وخوضها والنجاح فيها هو التحدي الذي يواجهه طلاب الثانوية العامة في كل الدول المحيطة، فإن لفلسطين وغزة على وجه التحديد حكاية أخرى، فالتحدي الأول لطلاب الثانوية العامة في غزة هو تحمل كل ما يحيط بالطالب من ظروف فرضت عليه دون أن يكون له ذنب فيها، هذه الظروف التي لو مر بها أي طالب ثانوية عامة في أي مكان آخر سوى غزة لانتهى حلمه في النجاح ولا أظنه سيكون قادرًا على خوض الامتحان، فطالب غزة عليه أن يتحمل جملة من الظروف أقلها انقطاع الكهرباء الدائم وأشدها أجواء الحرب ورائحة الموت والدمار التي لا تغادر سماء وبحر وأرض غزة، فلكم مرت ليالٍ على طلاب غزة يذاكرون دروسهم على ما استطاعت عائلاتهم أن توفره لهم من ضوء "الشموع" أو أضواء "اللد" المرهقة للعيون التي تعمل بالبطاريات وكم من مرة اغتالت طائرات العدو هدوء الليل -الذي يأنس الدارس بسجاه ويفضله على النهار في الدراسة عسى أن يجد فيه السكينة والطمأنينة- فأحالته إلى ظلام مرعب كئيب يعتريه ضجيج وأزيز لا يطاق، يعقبه في أغلب الأحوال صوت انفجارات هائلة فأبواق سيارات إسعاف فصراخ وعويل، ولكم مرت على طلاب غزة أيام من الحروب لم يرق لهم فيها جفن ولم تهدأ لهم فيها نفس ولم تستقر لهم حال، لكم مرت على طلاب غزة لحظات وجدوا فيها أنفسهم بلا مأوى وبلا عائلة أحياناً، كم مرت أيام على طلاب غزة فقدوا فيها أحباءهم ورفاقهم، كم مرت أيام على طلاب غزة حال بينهم وبين مقاعد الامتحان ارتقاؤهم شهداء أو غيبهم الأسر أو أقعدتهم الجراح، كم مرت أيام على طلاب غزة أعلنت نتائجهم وتفوقهم وهم شهداء أو أسرى.
جيل الثانوية العامة جيل فلسطين الذي سيحمل أمانة التحرير، وهو جدير بها وأهل لها وسيكمل الطريق الذي مهد بداياته أبطال عظام تربى جيل الثانوية على قصص بطولاتهم وتضحياتهم.
أيام معدودة وستعلن بعدها النتائج وستكون بإذن الله نتائج فخر وعرس فلسطيني وطني، وستكون محطة ينطلق من بعدها طلاب الثانوية ليحملوا راية جديدة ويندفعوا بها نحو مستقبل واعد بعزم الشباب وإرادة الثوار وستكون فلسطين على موعد مع أبنائها وهذا الموعد لن يطول وقته.
المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط