كتبَ علي محمود: رفع سعر الفائدة في مصر

2022.03.18 - 04:46
Facebook Share
طباعة

 على وقع الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تشتعل حرب اقتصادية أكثر ضراوة وأشد ألمًا.. لا نجاة  منها لأحد في العالم.. أسعار تتصاعد في جنون، وتكالب على السلع والمنتجات فاق التوقعات، وبفعل تداعياتها الكارثية تغيرت الحسابات وتبدلت التوازنات.. مشهد ينذر بخطر محدق، ونذر تشير إلى مخاطر قادمة..


 ربما يكون مخاض عالم جديد بقوى متعددة، اقتصاديًا وعسكريًا أو أفول قوى أو دول آن لها أن تتراجع إلى الخلف.. مؤشرات ونتائج الأسابيع الماضية من الحرب كشفت أن الصراع الدموي يتجاوز مجرد حرب بين دولتين، بل يمكن القول أنها حرب بين قوة غربية تقودها واشنطن؛ لقطع أذرع روسيا الاقتصادية وقوتها العسكرية عبر جار يشاركها الدين واللغة والحدود، لكنه رأى في حضن أمريكا وأوروبا ما لم يجده في دفء فراء الدب الروسي.
 

 .. يستمر الصراع التاريخي بين القوتين ويتواصل نزيف الدماء بين أشقاء الدين في روسيا والغرب، لكن الفاتورة الأكبر تدفعها دول وشعوب  لم تستطع تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن هذه القوى التي تملك الغذاء والدواء، الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار السلع دفعت البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة في البنوك؛ لكبح جماح التضخم الذي اجتاح دولًا كثيرة بما فيها الدول المتصارعة التي يبدو أنها وضعت خططها وحساباتها على خسارة مؤقتة، مقابل مكاسب دائمة.

 

د رفع سعر الفائدة يعني تباطؤ في النمو نتيجة ارتفاع تكلفة الإقراض والإنتاج، وبالطبع سيترتب عليه ارتفاعات جديدة في الأسعار؛ وهو ما يضع الحكومات أمام سيناريوهات مفتوحة، ومراجعة للخطط والبرامج لتجاوز تداعيات لم تكن في الحسبان، وخسائر لم تكن في التوقعات.

 لا بديل في مثل هذه الظروف الاقتصادية الملتهبة والتداعيات المخيفة سوى سيناريو رفع أسعار الفائدة، تلك الأداة التي يتم استخدامها للحد من التضخم والسيطرة عليه، ولعل أمريكا - بكل قوتها الاقتصادية - وجدت في رفع سعر الفائدة الحل في السيطرة على تضخم - حسب توقع البنك الفيدرالي - سيدور حول معدل 4.3% في 2022، و2.7% في 2023، و2.3% في 2024، وهي أرقام لم تشهدها أمريكا منذ سنوات؛ لذا تم رفع سعر الفائدة بربع النقطة المئوية للمرة الأولى منذ عام 2018، وقد حذت كثير من الدول - سواء في أوروبا أو المنطقة العربية - هذا الحذو، وقررت زيادة سعر الفائدة.

 

 ومن هذا المنطلق فإن الوضع الاقتصادي في مصر ليس خارج دائرة التأثير، ولا بعيدًا عن نطاق التأثر، فقد كشفت بيانات التضخم عن ارتفاع ملحوظ، إذ بلغ معدل التضخم السنوي نحو 10%، بينما ارتفع معدل التضخم الشهري نحو 2% خلال فبراير، وهو ما يعد ارتفاعًا يتطلب تدخلا من البنك المركزي برفع سعر الفائدة، وهو القرار المتوقع من اجتماع لجنة السياسات النقدية في اجتماعها المقرر الخميس المقبل.

 

المؤكد أن هناك أزمة اقتصادية عالمية لها من التداعيات والآثار السلبية ما يجعلها الأسوأ، وقد جاءت الحرب الروسية - الأوكرانية لتشعلها وتزيد من حدتها وضراوتها، فقد عانى العالم على مدى عامين من تداعيات تفشي فيروس كورونا، وما ترتب عليه من ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار إلى أن تفجرت حرب أوكرانيا؛ حيث  شهدت أسعار السلع الغذائية والطاقة ارتفاعات كبيرة منذ بداية التوتر، وسجل النفط منذ بداية العام زيادة بنسبة 60% والغاز 40% والقمح 60%، وهو ما يغذي التضخم.

 

يقينا أن الدولة المصرية لديها من الأدوات والسياسات ما يعبر بالبلاد هذه الأزمة المستوردة من الخارج، مدعومة بقدرات اقتصادية ومدفوعة بإرادة سياسية توفر ضمانات تجاوز هذه التداعيات، وأعتقد أن المواطن المصري يقع عليه دور وطني مسئول في هذه الظروف الدقيقة من خلال مساعدة الدولة في تجاوز هذه التحديات، ابتداء من ترشيد الاستهلاك؛ لتخفيف الضغط على المعروض السلعي، وتحجيم الأسعار إلى تحمل الأعباء التي لا دخل لأحد فيها.

 

كما لا يفوتني الإشارة إلى الدور المهم  لتجار مصر المخلصين في القيام بدورهم في توفير احتياجات المواطنين دون مغالاة، وقد أكدت الأيام الماضية أن الدولة المصرية بقيادتها الرشيدة وتجارها المخلصين ومؤسساتها القوية أثبتت – كالعادة – انحيازها الدائم للمواطن، وقدرتها الشاملة على مواجهة التحديات وتجاوز الصعوبات.

 

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1