امريكا والاسلحة البيولوجية في اوكرانيا

2022.03.10 - 10:50
Facebook Share
طباعة

 طالبت روسيا الولايات المتحدة بتقديم تفسير لتطوير أسلحة بيولوجية في معامل بأوكرانيا، بينما تنفي واشنطن أي تورط لها وتقول إنها أبحاث علمية سلمية، فما حقيقة تلك القصة؟

منذ أن بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا يوم الخميس 24 فبراير/شباط، أصدرت موسكو بيانات متكررة بشأن ما قالت إنها "برامج سرية لتطوير أسلحة بيولوجية بالتعاون بين واشنطن وكييف"، لكن أوكرانيا والولايات المتحدة وصفتا البيانات الروسية بأنها "سخيفة" ولا تستحق الرد.

لكن المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قدمت الأربعاء 9 مارس/آذار، ما قالت إنها أدلة وتفاصيل على وجود تلك البرامج البيولوجية العسكرية، فما قصة تلك المعامل، التي أقرت واشنطن بوجودها بالفعل مع تقديم تفسير مختلف بالطبع عما تقوله الرواية الروسية.

متى بدأت قصة المعامل البيولوجية الأمريكية؟
ربما يتصور البعض أن الحديث عن وجود تعاون أمريكي مع أوكرانيا في مجال الأبحاث البيولوجية مرتبط بالهجوم الروسي على أوكرانيا فقط أو حتى بالأزمة الأوكرانية نفسها، التي هي في الأصل أزمة جيوسياسية بين روسيا وحلف الناتو، إلا أن جذور القصة ترجع إلى ما قبل ذلك بكثير وتتخطى أيضاً حدود الأزمة الأوكرانية.

وكانت وسائل إعلام قد وجهت، قبل سنوات، اتهامات لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بإجراء تجارب على فيروسات قاتلة ضمن برامج بيولوجية تتم في معامل على أراضي دول بأوروبا الشرقية، منها جورجيا ودول في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.

وكانت الصحفية البلغارية ديلانا غيتاندجيفاقد أجرت تحقيقاً استقصائياً حول تلك القصة، زعمت فيه أن الجيش الأمريكي لا يزال ينتج الفيروسات القاتلة والبكتيريا والسموم، في انتهاك لاتفاقيات الأمم المتحدة، بحسب تقرير نشرته وكالة سبوتنيك الروسية عام 2019.

وخلص التحقيق إلى أن البنتاغون لديه برنامج عسكري للتجارب البيولوجية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وكشفت وثائق قالت الصحفية إنها تخص البنتاغون، عن قيام العلماء العسكريين تحت الغطاء الدبلوماسي باختبار فيروسات مصطنعة في مختبرات البنتاغون في 25 دولة، وقالت إن مئات الآلاف من الناس يصابون بانتظام بالتهابات ويعانون من مُسببات الأمراض والأمراض الخطيرة، من بين الدول التي فيها المختبرات جورجيا وكازاخستان وأوزبكستان وأرمينيا.

ويتم تمويل برنامج المختبرات الحيوية الأمريكي من قِبل وكالة DTRA العسكرية، بموجب برنامج تبلغ ميزانيته 2.1 مليار دولار، ويشمل برنامج التعاون البيولوجي المشترك، مع بلدان الاتحاد السوفييتي السابق (جورجيا وأوكرانيا) والشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا وإفريقيا. لكن البنتاغون رفض تلك الاتهامات ووصفها بالادعاءات، وقال إن التعاون مع تلك الدول أهدافه علمية بحتة.

ويرى الأمريكيون أن تلك الادعاءات تأتي في إطار نظريات المؤامرة، التي شهدت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة، لأسباب متعددة، منها منصات التواصل الاجتماعي، التي ساهمت بقصد أو بدون قصد في انتشار مثل تلك النظريات.

ومنذ تفشي جائحة فيروس كورونا حول العالم قبل أكثر من عامين، تبادلت الصين والولايات المتحدة الاتهامات بشأن أصل الفيروس وطبيعته، فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سماه "الفيروس الصيني" وروّج نظرية كونه تسرَّب من معمل بيولوجي في مدينة ووهان الصينية، ثم جاء جو بايدن وروّج أيضاً تلك النظرية. الصين من جانبها تقول إن فيروس كورونا تسرَّب من معمل بيولوجي في ولاية فيرجينيا الأمريكية، أي إن بكين وواشنطن تتهم إحداهما الأخرى بتصنيع سلاح بيولوجي.

ما علاقة أوكرانيا بالأسلحة البيولوجية؟
في اليوم التالي لبدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تحمل خريطة تظهر عليها مواقع "معامل بيولوجية" داخل الأراضي الأوكرانية وُصفت بأنها تُستخدم من جانب كييف، بالتعاون مع البنتاغون والاستخبارات المركزية الأمريكية، لتطوير أسلحة بيولوجية، وتعتبرها موسكو أهدافاً ضمن "عمليتها الخاصة" لمنع عسكرة أوكرانيا، بحسب تقرير لمجلة USAToday الأمريكية عنوانه "فحص حقائق: ادعاء كاذب بوجود معامل بيولوجية أمريكية في أوكرانيا".

تقرير المجلة الأمريكية خلص إلى أن تلك المعامل تُستخدم لإجراء أبحاث لأغراض سلمية وعلمية ولا علاقة لها بأي أنشطة عسكرية، بحسب مصادر الإدارة الأمريكية والبنتاغون والـ"سي آي إيه"، ووصفت تلك المصادر المنشورات بشأن الأسلحة البيولوجية بأنها جزء من "المعلومات المضللة" التي تبثها روسيا لتبرير "غزو أوكرانيا".

ونشر موقع آخر متخصص في علوم الذرة عن مسؤول أمريكي، قوله إن "الغزو الروسي لأوكرانيا يهدد بانتشار فيروسات خطرة موجودة في معامل بأوكرانيا"، نافياً في الوقت نفسه أن تكون تلك الفيروسات أسلحة بيولوجية، لكنها في إطار تجارب علمية، وكان ذلك أيضاً في اليوم التالي لبدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.

المسؤول الأمريكي هو روبرت بوب برنامج تخفيض المخاطر التعاوني، وهو برنامجٌ عمره 30 عاماً تابع للبنتاغون، يقول الأمريكيون إنه ساعد في "تأمين وتدمير برامج أسلحة الدمار الشامل لدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، وإعادة تأهيل منشآت وعلماء البرامج البيولوجية في تلك الدول للانخراط في أبحاث علمية لأغراض سلمية"، بحسب موقع The Bulletin العلمي.

وأكد بوب أن المعامل الأوكرانية ليست منشآت للأسلحة البيولوجية، وتصر الإدارة الأمريكية على أنها معامل عامة تعمل في مجال صحة الحيوانات، وتشغّلها وتشرف عليها الدولة المضيفة، ومثل هذه النوعية من المعامل التي تساهم واشنطن في تمويلها، توجد في عدد من الدول حول العالم.

لكن بوب لمَّح إلى أنه على الرغم من كذب الدعاية الروسية بشأن طبيعة تلك المعامل وحقيقة الدور الأمريكي فيها، فإن الحرب قد تجعل من عينات التجارب في تلك المعامل مصدر تهديد خطير للصحة العامة: "أؤكد، من خلال عملنا مع الأوكرانيين، أنه طالما لم تنقطع الكهرباء في تلك المعامل وطالما تواجد مسؤولو الأمان المدربون من طرفنا على رأس عملهم، لا توجد خطورة من تسرُّب عينات البحث خارج تلك المعامل. لكن في حال تعرُّض تلك المنشآت للدمار أو الضرر لا أحد يمكنه ضمان النتائج الصحية".

ماذا تقول روسيا عن تلك المعامل الأوكرانية؟
إذا كانت تلك هي وجهة النظر الأمريكية، فللروس بالطبع وجهة نظر أخرى مغايرة تماماً، وكرَّست ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، إفادة صحفية مطولة، الأربعاء 9 مارس/آذار، للحديث بالتفصيل عما قالت إنها أدلة وقعت بين يدي الروس بشأن الطبيعة العسكرية لتلك المعامل.

وطالبت زاخاروفا واشنطن بالشفافية بشأن هذا الأمر، وقالت إن روسيا كشفت أدلة على البرنامج: "يمكننا بالفعل أن نستنتج أنه في المختبرات البيولوجية الأوكرانية التي تقع على مقربة مباشرة من أراضي بلدنا، يجري تطوير مكونات أسلحة بيولوجية. لا نتحدث هنا عن الاستخدامات السلمية أو الأهداف العلمية… ما الذي كنتم تدبرونه هناك؟"، موجهةً سؤالها الأخير إلى الأمريكيين، وتابعت: "هذه (البرامج) كانت تمولها وزارة الدفاع الأمريكية".

كما أصدر رئيس لجنة التحقيق الروسية، ألكسندر باستريكين، تعليمات بفتح قضية تتعلق بالبيانات المتعلقة بتطوير أسلحة بيولوجية في أوكرانيا، حسبما ذكرت الخدمة الصحفية للجنة التحقيق.

وقالت الخدمة الصحفية لوكالة "سبوتنيك": "هناك المزيد والمزيد من المعلومات التي تؤكد تطوير أسلحة بيولوجية في أوكرانيا. أبلغت وزارة الدفاع الروسية سابقًا عن وجود شبكة بأوكرانيا، وضمن ذلك عشرات المختبرات البيولوجية، التي تم تمويلها من الخارج. إضافة إلى ذلك، أكدت الولايات المتحدة وجود مرافق أبحاث بيولوجية في أوكرانيا".

"كل هذا قد يشير إلى انتهاك اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير تلك الأسلحة. وتنص أحكام هذه الاتفاقية على التزامات الدول تحت أي ظرف من الظروف بعدم تطوير علم الأحياء الدقيقة أو عوامل بيولوجية أو سموم، لا يقصد منها أن تكون وقائية أو لأغراض سلمية أخرى".

وتعتقد لجنة التحقيق الروسية، وهو ما أكدته زاخاروفا أيضاً، أن القلق المفرط لممثلي الولايات المتحدة بشأن الأجسام البيولوجية الأوكرانية قد يشير إلى نية استخدامها لأغراض غير سلمية.

وبناءً على هذه المعلومات، أوعز باستريكين إلى المحققين بفتح قضية جنائية، يتم خلالها تحديد جميع الظروف المتعلقة بتطوير أسلحة بيولوجية بالقرب من أراضي روسيا الاتحادية، وكذلك الأشخاص المسؤولين عن ذلك.

وقالت زاخاروفا في الإفادة الصحفية: "وزارة الدفاع الأمريكية والإدارة الرئاسية للولايات المتحدة ملزمتان بتقديم تفسير رسمي للمجتمع الدولي. رسمي، وليس من خلال الأحاديث الفارغة، عن البرامج في أوكرانيا. نطالب بالتفاصيل… نحن نطلب والعالم ينتظر".

ووفقاً لوزارة الدفاع الروسية، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 200 مليون دولار على أعمال المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، وشاركت مختبرات المديرية المركزية للصحة والأوبئة التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية في البرنامج البيولوجي العسكري الأمريكي.

كما دخلت الصين على خط تلك القضية، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي تشيان، في إفادة صحفية، الثلاثاء، أن الصين دعت الولايات المتحدة إلى توضيح أنشطتها العسكرية البيولوجية في الداخل والخارج، وقال: "نحث الجانب الأمريكي مرة أخرى على توضيح الأنشطة العسكرية البيولوجية بشكل كامل في الداخل والخارج".

ومن جانبه قال الاتحاد الأوروبي إنه ليست لديه معلومات مؤكدة بشأن قصة تطوير أسلحة بيولوجية في المعامل الأوكرانية، وصرح المتحدث باسم الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، لوكالة سبوتنيك، الأربعاء، قائلاً: "نحن على علم ببيان وزارة الدفاع الروسية بشأن التدمير المزعوم للعوامل البيولوجية في المعامل بأوكرانيا… لسنا على علم بأي برامج في المختبرات الأوكرانية تنتهك اتفاقية الأسلحة البيولوجية".

الخلاصة هنا هي أن روسيا تؤكد وجود معامل أوكرانية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، يجري فيها تصنيع أسلحة بيولوجية، بينما تصر الولايات المتحدة على أن تلك البرامج البيولوجية سلمية ولأغراض علمية بحتة، ولا أحد يمكنه الجزم بمدى صحة أي من الروايتين.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 5