كوفيد طويل الأمد وتأثره على الأطفال

2022.03.07 - 08:30
Facebook Share
طباعة

 بينما يعد فيروس كورونا مرضاً خفيفاً نسبياً لمعظم الأطفال، فإن صغار السن الذين كانوا أصحاء قبل الإصابة بالفيروس يُظهرون علامات على وجود مشاكل طويلة الأمد؟

قبل أن يمرض الأطفال الذين رآهم دانيلو بونسينسو في مستشفى جامعة غيميلي في روما بإيطاليا، كانوا مفعمين بالنشاط والحيوية، وكان معظمهم يمارسون الرياضة ويشاركون في أنشطة بعد نهاية اليوم الدراسي. لكنهم أصيبوا بعد ذلك بفيروس كورونا.

وبعد شهور من تعافيهم من العدوى الفيروسية الأولية، ظل الأطفال يعانون من مجموعة واسعة من الأعراض التي جعلتهم غير قادرين على العودة إلى حياتهم الطبيعية.

يقول بونسينسو: "كان معظم الأطفال الذين رأيتهم يتمتعون بصحة جيدة قبل الإصابة بفيروس كورونا، وكانوا يمارسون الرياضة والأنشطة خارج المدرسة. وبعد ذلك لم يتمكنوا من العودة لمواصلة دراستهم بالشكل المعتاد، لأنهم كانوا يعانون من الصداع أو صعوبة في التركيز بعد بضع ساعات".

وكان بونسينسو، بصفته طبيب أطفال في مستشفى جامعة غيميلي، أول طبيب يجري مسحاً بشأن تعرض الأطفال للإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد أم لا. وكما هو الحال مع العديد من أطباء الأطفال، فقد شاهد بونسينسو أطفالاً يعانون من أعراض مزمنة مثل التعب والأرق وآلام المفاصل ومشاكل في الجهاز التنفسي والطفح الجلدي وخفقان القلب، والتي يمكن أن تستمر لأشهر بعد انتهاء العدوى.

يقول بونسينسو إنه من المهم للغاية ألا نغفل الأطفال في الدراسات المتعلقة بالأمراض التي تصيب الأشخاص بعد تعافيهم من فيروس كورونا. ويشير إلى أنه كما هو الحال مع البالغين، يمكن للأطفال الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض أو المصابون بالعدوى الخفيفة أن يعانوا من مشاكل مستمرة.

وبصفة عامة، يُعتقد أن الأطفال أقل عرضة للتأثيرات طويلة الأمد لفيروس كورونا، إذ يقل الخطر كلما كان الطفل المصاب أصغر سناً. وكان يُعتقد أن السبب قد يكون تمتع الأطفال الصغار بكميات كبيرة من "مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2" - وهو الجزء الذي يستخدمه الفيروس لغزو خلايانا في الأنف والجهاز التنفسي.

ومع ذلك، فإن ظهور متحور أوميكرون شديد العدوى، والسلالة الجديدة منه "بي إيه 2"، أدى الآن إلى إصابة نسبة أعلى بكثير من الأطفال بالفيروس.

ووفقاً لتقرير صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، زادت معدلات دخول المستشفيات للمصابين بفيروس كورونا بين الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 17 عاماً بسرعة في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021، مع ظهور متحور أوميكرون. وكان هذا ملحوظاً بشكل خاص بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات الذين لم يكونوا مؤهلين بعد للتطعيم.

وجرى الإبلاغ عن نتائج مماثلة في المملكة المتحدة، إذ أشارت تقارير في أوائل فبراير/شباط 2022 إلى حدوث زيادة في نسبة الأطفال الذين دخلوا المستشفيات نتيجة إصابتهم بفيروس كورونا خلال موجة انتشار متحور أوميكرون، وخصوصاً أولئك الذين تقل أعمارهم عن عام واحد.

وبينما تتعافى الغالبية العظمى من الأطفال بسرعة، لا يزال المتخصصون يشعرون بالقلق بشأن العلامات المبكرة التي تشير إلى أن معدلات المصابين بفيروس كورونا طويل الأمد يمكن أن ترتفع.

يقول كارلوس أوليفيرا، طبيب أطفال يدير برنامج رعاية ما بعد الإصابة بكورونا في مستشفى ييل نيو هافن للأطفال بولاية كونيتيكت الأمريكية: "نشهد حالياً ارتفاعاً في عدد الأطفال الذين يجري تشخيص إصابتهم بأمراض أخرى بعد الشفاء من فيروس كورونا".

ويضيف: "في مستشفانا على سبيل المثال، كان عدد الأطفال والمراهقين الذين جرى تشخيص إصابتهم بأمراض أخرى في مرحلة ما بعد الشفاء من كورونا هذا الشهر [يناير/ كانون الثاني] بالفعل أعلى بثلاث مرات مما شهدناه في أشهر الصيف. وتشهد بلدان أخرى اتجاهات مماثلة".

تؤكد ذلك أحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة والذي وجد أن عدد الأطفال دون سن 16 عاماً الذين أبلغوا عن معاناتهم من تداعيات فيروس كورونا طويل الأمد قد ارتفع من 49 ألف في ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى 117 ألف في يناير/كانون الثاني 2022.

وللتعامل مع هذا التدفق المتزايد للمرضى، أنشأت المملكة المتحدة الآن 15 مركزاً متخصصاً لطب الأطفال لتقديم الرعاية في فترة ما بعد الشفاء من فيروس كورونا، كما تتخذ الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى خطوات مماثلة. وحصل مستشفى الأطفال في لوس أنجليس على منحة بقيمة 8.3 مليون دولار (6.2 مليون جنيه إسترليني) خصيصا لدراسة معاناة الأطفال والشباب من فيروس كورونا طويل الأمد، كجزء من مبادرة وطنية تسمى "ريكفر" (الاستشفاء)، والتي تهدف إلى حل الألغاز المحيطة بما يحدث في أعقاب الإصابة بفيروس كورونا.

كما اُستخدم الخطر المتزايد لإصابة الأطفال بفيروس كورونا لفترات طويلة كحجة لتطعيم المزيد من الأطفال ضد المرض. وأشارت الدراسات التي أجريت على البالغين إلى أن لقاحات فيروس كورونا مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد. وفي حين أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وإسبانيا، تُلقح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات و11 عاماً، لا تزال اللقاحات في انتظار الحصول على تصريح لاستخدامها للأطفال دون سن الخامسة.

لكن يبقى أحد الأسئلة الرئيسية محاولة معرفة مدى شيوع إصابة الأطفال بفيروس كورونا طويل الأمد. وكشف العلماء في كلية لندن الجامعية مؤخراً عن أول تعريف موحد لهذه الحالة - الأعراض التي تؤثر على رفاهية الأطفال الجسدية أو العقلية أو الاجتماعية وتستمر لمدة 12 أسبوعاً على الأقل بعد اكتشاف الإصابة بفيروس كورونا للمرة الأولى. ومن المأمول أن يُسهل ذلك على الباحثين دراسة مسار المرض ونتائجه المختلفة، ومعرفة عدد الأطفال الذين يتأثرون به.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، اكتشف باحثون في كلية لندن الجامعية وهيئة الصحة العامة بإنجلترا بعض الإجابات الملموسة الأولى بعد استطلاع آراء 3,065 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً ثبتت إصابتهم بفيروس كورونا خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار.

ووُجد أن ما يتراوح بين اثنين في المئة و14 في المئة من المراهقين لا يزالون يعانون من التعب وضيق التنفس والصداع المستمر، بعد 15 أسبوعاً من اكتشاف إصابتهم بفيروس كورونا، وبمعدلات أعلى من المجموعة التي كانت نتيجة اختبار الإصابة بالفيروس لديها سلبية.

وفي نفس الوقت تقريباً، أجرت وزارة الصحة الإسرائيلية مسحاً أظهر أن 11.2 في المئة من الأطفال أبلغوا عن بعض أعراض الإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد كجزء من عملية شفائهم، وأن ما يتراوح بين 1.8 في المئة و4.6 في المئة منهم ظلوا يشعرون بالأعراض بعد مرور ستة أشهر.

ويعتقد أطباء الأطفال الذين يديرون عيادات ما بعد الشفاء من فيروس كورونا أن النسبة الحقيقية للأطفال الذين يعانون من فيروس كورونا طويل الأمد تصل إلى نحو 10 في المئة. ومع ذلك، يشير علماء آخرون إلى أن هذه البيانات تحجبها حقيقة أن أكثر من نصف الأطفال غير المصابين بفيروس كورونا يعانون أيضاً من الصداع والتعب واضطرابات النوم ومشاكل التركيز أثناء الوباء.

وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الدراسات الاستقصائية للأعراض التي يظل الأطفال يعانون منها حتى في مرحلة ما بعد الشفاء من كورونا لا تقارن بين الأطفال المصابين بفيروس كورونا والأعراض التي تظهر لدى الأطفال غير المصابين بالفيروس، وهو ما قد يؤدي إلى المبالغة في الحديث عن انتشار الأعراض.

ويشعر العديد من العلماء أنه لا تزال هناك حاجة مستمرة لمزيد من الدراسات الدقيقة لتحديد الخطر الحقيقي للإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد، لا سيما في أعقاب انتشار متحور أوميكرون. ومن المرجح أنه مع تلقيح المزيد من الأطفال ضد فيروس كورونا، ستتغير أعداد المصابين.

يقول بونسينسو: "حتى لو تبين أن معدل انتشار فيروس كورونا طويل الأمد يصل إلى اثنين في المئة مثلاً، بالنظر إلى مئات الآلاف من الأطفال الذين أصيبوا بالفيروس، فإنه لا يزال عدداً هائلاً للغاية".

ولا يزال سبب إصابة الأطفال بأعراض فيروس كورونا طويل الأمد يمثل لغزاً أيضاً.

وقال أوليفيرا لبي بي سي إنه في بعض الحالات يمكن أن يتعرض الأطفال لتلف أعضاء نتيجة الفيروس الذي يسبب الإصابة بفيروس كورونا (فيروس كورونا المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2)، والذي يمكنه أن يصيب القلب أو البنكرياس، وهو ما يتسبب في حالات مثل التهاب غشاء القلب أو التهاب البنكرياس، ما قد يؤدي إلى مشاكل في التنفس ومضاعفات أخرى طويلة الأمد، ولكن هذا نادر نسبياً.

وهناك سلسلة من النظريات حول سبب إصابة البالغين بفيروس كورونا طويل الأمد، بدءاً من إعادة تنشيط فيروس كامن، إلى الأجزاء الفيروسية العالقة داخل الجسم، إلى تفاعل المناعة الذاتية الناتج عن الفيروس مع ما يسمى بالأجسام المضادة الذاتية التي ترتبط بالخلايا في الأنسجة المختلفة. قد يكون الشيء نفسه صحيحا بالنسبة للأطفال، لكن هناك فكرة أخرى يُنظر إليها على أنها آلية محتملة للإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد لدى كل من الأطفال والبالغين وهي أن الفيروس يتسبب في تلف الدورة الدموية.

يقول جاكوب أرمان، طبيب أطفال في جامعة دريسدن للتكنولوجيا في ألمانيا والذي كان يجمع عينات دم من أطفال المدارس الثانوية في محاولة لتحديد الأسباب المحتملة للإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد: "الفرضية التي يجري الحديث عنها في الغالب هي التغيرات الالتهابية في الأوعية الدموية الصغيرة والتي ستؤدي بعد ذلك إلى خلل وظيفي في الأعضاء. لكن لا توجد بيانات موثوقة بشأن الأطفال في الوقت الحالي تثبت ذلك".

لكن أوليفيرا غير مقتنع بأن العمليات التي تؤدي إلى إصابة الأطفال بفيروس كورونا طويل الأمد هي نفسها التي تؤدي إلى إصابة البالغين بنفس المرض، لسبب واحد وهو أن الأعراض مختلفة، إذ يعاني العديد من البالغين من ضباب الدماغ ومشاكل عصبية أخرى، وهي أعراض يُعتقد أنها ناجمة في بعض الحالات عن وجود الأجسام المضادة الذاتية التي تهاجم أنسجة الجسم، في حين أن أعراض فيروس كورونا طويل الأمد لدى الأطفال تتمثل في الشعور بالتعب والصداع والدوار وآلام العضلات والمفاصل، حسب أوليفيرا.

يقول أوليفيرا: "لنفترض أن الأجسام المضادة الذاتية هي السبب الرئيسي وراء هذا المرض، إذاً يجب إنتاج تلك الأجسام المضادة الذاتية بغض النظر عن العمر. لذا يجب أن يكون انتشار مرض فيروس كورونا طويل الأمد هو نفسه في جميع الأعمار. لكننا لا نرى ذلك، فالانتشار أقل بين الأطفال".

بدلا من ذلك، يشير أوليفيرا إلى إحدى الدراسات التي وجدت أن الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الأطباء وهم يعانون من التهابات بعد الشفاء من فيروس كورونا تكون لديهم على الأرجح علامة بيولوجية في دمائهم مرتبطة بتسرب الأمعاء - وهي حالة هضمية يمكن أن تسمح للميكروبات من الأمعاء بالتسرب إلى داخل مجرى الدم.

ويشير أوليفيرا إلى أنه رغم أن فيروس كورونا هو مرض تنفسي في الغالب لدى البالغين، إلا أنه في نسبة من الأطفال المعرضين للإصابة يمكن أن يكون مرضاً متعلقاً بشكل أكبر بالجهاز الهضمي، إذ توجد جزيئات فيروسية في الأمعاء قبل إعادة امتصاصها في الدم والتسبب في بعض المشاكل.

يقول أوليفيرا: "نحن نعلم أن كلا من الأطفال والبالغين يمكنهم التخلص من الحمض النووي للفيروس في برازهم على مدار أشهر، لذلك من المنطقي أن التعرض مرة أخرى للفيروس الميت بسبب تسريب القناة الهضمية سيؤدي إلى حدوث عملية التهابية مفاجئة. وإذا كان هذا صحيحاً، فيمكننا اختبار الأطفال المصابين لمعرفة ما إذا كانوا يعانون من تسريب القناة الهضمية ومعرفة ما إذا كان بإمكاننا التنبؤ بمن من المحتمل أن يكون لديه مشاكل، والتي ستكون ضخمة في هذه الحالة".

لكن كما هو الحال مع البالغين، من المحتمل أن يكون هناك أكثر من تفسير واحد. ويتعاون بونسينسو حالياً مع معهد كارولينسكا لمعرفة ما إذا كان الأطفال الذين يعانون من فيروس كورونا طويل الأمد يعانون أيضاً من أي خلل جيني واضح. ويفحص دانيال مونبليت، أخصائي طب الأطفال بجامعة سيتشينوف في موسكو بروسيا، ما إذا كانت هناك علاقة بين القابلية للإصابة بالحساسية والإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد.

يقول مونبليت: "وجدنا أن الأطفال الذين لديهم تاريخ من الحساسية هم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا طويل الأمد. لكنني أتعامل مع هذا الأمر بحذر قبل أن يكون لدينا المزيد من الأدلة، لأن الآباء للأسف يميلون إلى الإفراط في الإبلاغ عن أمراض الحساسية لدى أطفالهم، لذلك يتطلب هذا مزيدا من الدراسات".

ورغم أن احتمال إصابة الأطفال بفيروس كورونا طويل الأمد جعل الآباء يشعرون بالخوف في جميع أنحاء العالم، فإن بونسينسو حريص على طمأنة العائلات أنه في الغالبية العظمى من الحالات، يتعافى الأطفال في غضون بضعة أشهر، وهو ما يعني أنه لا يوجد تأثير طويل الأمد على تعليمهم وتطورهم.

ومع ذلك، هناك حالات لأطفال يظلون مرضى لأكثر من ستة أشهر بعد الإصابة الأولية، فقد أبلغ متخصصون في مركز شنايدر الطبي للأطفال في إسرائيل مؤخراً عن حالات لأطفال مصابين بفيروس كورونا طويل الأمد يعانون من مشاكل مزمنة مثل الربو وفقدان السمع، وعن أطفال صغار تأخروا في النمو وعادوا من مرحلة المشي إلى الزحف مرة أخرى بسبب آلام العضلات.

يقول بونسينسو: "حتى الآن أقول إن ما بين ثلثي وثلاثة أرباع الأطفال الذين يعانون من فيروس كورونا طويل الأمد يتعافون بعد ثلاثة أشهر، لكن هناك مجموعة فرعية تصل لما يتراوح بين 10 في المئة و20 في المئة لم تتعاف تلقائياً. ولا نعرف حتى الآن ما إذا كان أي من هؤلاء الأطفال سيعاني من مضاعفات طويلة الأمد بالشكل الذي نلاحظه في حالة الإصابة بالحصبة أو غيرها من الالتهابات الفيروسية".


المصدر BBC

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7