كتب إياد الدليمي:ماذا بعد محاولة اغتيال الكاظمي؟

2021.11.09 - 02:37
Facebook Share
طباعة

تأتي محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في خضم شدٍّ وجذبٍ شهدته الساحة العراقية، منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول) الماضي، وما زالت، حيث رفعت القوى الخاسرة في الانتخابات، وأغلبها موالية لإيران، من وتيرة رفضها نتائج تلك الانتخابات، معتبرة إياها مزوّرة، فبعد إعلانات الرفض والتهديدات التي أطلقتها تلك القوى، جاءت عملية الاحتجاج والتظاهر التي وصلت إلى ذروتها يوم الجمعة الماضي، قبل ان نشهد فجر الأحد عملية استهداف بطائرات مسيّرة منزل رئيس الحكومة وسط المنطقة الخضراء المحصّنة.
يعرف الكاظمي جيداً مَن وراء هذا الاستهداف، ويعرف جيداً أنّه جزء من عمليات تصعيدٍ تقوم بها القوى الخاسرة من أجل تغيير النتائج الانتخابية، أو على الأقل، ثني مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، وصاحب الكتلة الفائزة بالانتخابات بـ73 مقعداً، عن المضي في تشكيل حكومة أغلبيةٍ سياسيةٍ كما أعلن أكثر من مرّة.

اعتبر قادة في "الحشد الشعبي" والملشيات المسلحة الكاظمي المتآمر الأول عليهم

وبالعودة قليلاً إلى يوم الجمعة الماضي، والذي وصل فيه مقتدى الصدر إلى بغداد قادماً من محل إقامته في النجف، وفيها التقى، في زيارة نادرة، محمد الحلبوسي، زعيم تحالف "تقدّم" السُنّي، الذي حلّ ثانياً في الانتخابات، قبل أن يلتقي بأعضاء الوفد الكردي المفاوض الموجود في بغداد... على أثر هذه الزيارة التي قُرئت على أنّها مساعٍ من الصدر للإسراع بتشكيل حكومة أغلبية سياسية، جاء ردّ القوى الخاسرة بالتصعيد أمام بوابات المنطقة الخضراء ومحاولة اقتحامها ونزول بعض زعماء الفصائل الحشدية، وما أعقب ذلك من مواجهاتٍ أدّت إلى إصابة نحو 125 شخصاً بينهم أفراد في الأمن.
مباشرة وعقب هذا التصعيد الذي وصفه بعضهم بالخطير، غادر مقتدى الصدر بغداد عائداً إلى النجف، لتبدأ صفحة أخرى من صفحات التصعيد الذي تقوم به القوى الموالية لإيران، من خلال تهديدات أطلقها قادة في "الحشد الشعبي" والملشيات المسلحة، إلى شخص رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي اعتبروه المتآمر الأول عليهم، وصولاً إلى فجر الأحد، حين جرى استهداف منزله بثلاث طائرات مسيّرة مفخّخة أدّت إلى إلحاق أضرار بالغة بمنزله وإصابته بيده إصابةً بدت بسيطة.


لا يحتمل الوضع المعقد في العراق أيّ مواجهةٍ مسلحة، وهو الذي مرّ بسلسلة من الصراعات الداخلية

هل يمكن للكاظمي أن يستغل لحظة التعاطف الكبير معه، محلياً ودولياً، من أجل البطش بتلك المليشيات، خصوصاً أنّ كثيراً منها بات شبه معروف، وليس لديه أي ثقل شعبي على الأرض، وهو ما أكّدته الانتخابات من جهة، وما بينته التظاهرات التي دفعت إليها تلك المليشيات منتسبيها دفعاً؟ لا يبدو أنّ الكاظمي هو الشخص المناسب لهذه المهمّة، وهو ما قرأته المليشيات سابقاً في أكثر من مناسبة، فهو شخصيةٌ متردّدة، ولا تملك الكاريزما التي تمنحه سلطة اتخاذ القرار الجريء. ناهيك طبعاً عن كونه يدرك جيداً أنّ حكومته حكومة تصريف أعمال، وأيّ ردة فعل تجاه هذه المليشيات قد تؤدي ليس إلى تعميق الأزمة العراقية العميقة أصلاً، فحسب، إنما أيضاً قد تؤدّي إلى اغتياله شخصياً، وهو ما لمح له أحد قادة المليشيات ممن استهزأ بعملية استهداف الكاظمي بطائرات مسيّرة، معتبراً أنّ عملية استهدافه لا تحتاج ذلك كله.
أكثر من هذا، لا يحتمل الوضع المعقد في العراق أيّ مواجهةٍ مسلحة، وهو الذي مرّ بسلسلة من الصراعات الداخلية التي أثرت بشكل كبير في مختلف مناحي الحياة فيه، ناهيك طبعاً عن عدم رغبة الأطراف الدولية اللاعبة في الساحة العراقية، بحصول أي تصعيدٍ مسلّح في العراق وتبعات ذلك، ليس على الوضع الأمني داخل العراق وحسب، وإنما حتى على محيطه الإقليمي. وهنا علينا ألّا ننسى أنّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما زال فاعلاً في العراق، وقادراً على العودة إلى مربعه الأول، متى ما وجد الفرصة سانحة. لكن، يبدو أنّ مقتدى الصدر هو من سيجد في هذا الهجوم على رئيس الحكومة فرصته في المضيّ بتشكيل حكومة أغلبية سياسية، وليست حكومة توافقات، كما جرت العادة في تشكيل حكومات ما بعد 2003، ما يعني إمكانية تحجيم المليشيات بشكلٍ أكبر، مستغلاً حالة التعاطف المحلية والدولية مع هذا الاستهداف، لضرب خصومه من الشيعة، ممن لا يثقون كثيراً به، ويخشون من تشكيل حكومة أغلبية سياسية قد تفتح عليهم نار المواجهة معه ومع الدولة.

يمثل استهداف رئيس الحكومة بطائرات مسيّرة أغارت على المنطقة الخضراء أقصى ما يمكن أن تفعله المليشيات الولائية ضد الدولة

استهداف الكاظمي يعني أنّ نتائج الانتخابات النهائية بعد العدّ والفرز اليدوي لمئات محطات الاقتراع، ستعلن من دون ضجيج القوى الخاسرة، ما يعني أنّها ستكون في مواجهة حقيقية مع رغبة الأطراف الفائزة في تشكيل حكومة أغلبية سياسية، وهو ما قد يفتح الباب أمام فصل جديد من فصول المواجهة بين القوى الخاسرة والدولة.
يمثل استهداف رئيس الحكومة بطائرات مسيّرة أغارت على المنطقة الخضراء أقصى ما يمكن أن تفعله المليشيات الولائية ضد الدولة. وفي حال لم يستثمر الكاظمي، ومن خلفه مقتدى الصدر؛ هذا الفعل الإرهابي، فإنّ المليشيات المسلحة ستتمادى أكثر. ومن غير المستبعد أن تلجأ؛ في لحظة فارقة، إلى تنفيذ انقلابها الكامل على مؤسسات الدولة، أو ما بقي منها، تماماً كما حصل في سيناريو اليمن، ليدخل العراق دوامة عنفٍ أخرى قد تحوّله إلى عراقات ثلاثة وربما أكثر.

المصدر:https://www.alaraby.co.uk/opinion/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B8%D9%85%D9%8A%D8%9F

المقال لا يعبر عن رآي الوكالة و انما يعبر عن رأي كاتبه فقط 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 10