كتب ياسين أقطاي: تركيا وأزمة اللاجئين.. العلاج من المنبع

2021.09.01 - 09:17
Facebook Share
طباعة

 للأسف يعتقد البعض أن موقف تركيا الإيجابي من المهاجرين أو اللاجئين يعني أننا لا ننظر إلى الهجرة غير الشرعية كأزمة، وهذا أمر لا يريد أن يفهمه من أعمتهم العنصرية، نسأل الله لهم الصلاح.


من الراسخ أنه لا يوجد مواطن يرغب طوعًا أن يصير لاجئًا ويغادر وطنه، ومن الراسخ أيضا أنه لا يوجد بلد يريد أن يكون مقصدا للهجرة غير الشرعية.


إن أي حديث عن حقوق المهاجرين ينبغي أن تصاحبه إشارة واضحة إلى التدابير الواجبة على تركيا في سبيل مكافحة الهجرة غير الشرعية.


إن تركيا لا ترغب في الأصل أن يضطر أحد لمغادرة بلده، سواء من سوريا، أو العراق، أو أفغانستان، أو أي بلد آخر، وهي تتخذ كل التدابير لمنع ذلك، لكن بمقاربة أخلاقية وإنسانية تحاول علاج الأزمة من المنبع.


ولفهم ذلك يكفي النظر إلى ما قامت به تركيا في سوريا على مدار 6 سنوات، حيث أنجزت ثلاث خطوات مهمة للغاية تصب في مصلحة اللاجئين السوريين.


أولًا: إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا، يمكن أن يلجأ إليها الناس هربًا من بطش النظام، فمنذ بداية أزمة اللجوء السورية، حاولت تركيا الضغط على المجتمع الدولي لإنشاء منطقة آمنة لكن دون جدوى. وحينما ارتفعت وتيرة اللجوء إلى تركيا، في ظل تعنت المجتمع الدولي ورفضه إنشاء منطقة آمنة، لا سيما من قبل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوربي، شقت تركيا طريقها بنفسها، وتمكنت أخيرًا -بعد قيامها بثلاث عمليات عسكرية ضخمة داخل سوريا- من إنشاء منطقة آمنة هناك.


وبذلك تمكن ما لا يقل عن 6 ملايين إنسان من اللجوء إلى هذه المنطقة الآمنة بدلًا من التوجه إلى تركيا، وهذا يعني أن تركيا لم تشجع أصلًا السوريين على اللجوء إليها، بل بذلت كل ما في وسعها لتوفير بيئة آمنة لهم داخل بلدهم، يواصلون حياتهم فيها قدر الإمكان.


ثانيًا: تشجيع من يريد التوجه نحو المناطق الآمنة، لكن دون إجبارهم بالطبع، وبذلك عاد ما لا يقل عن 500 ألف شخص إلى سوريا. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار قسمًا كبيرًا من السوريين الذين توجهوا نحو دول أخرى عبر تركيا، نجد أن عدد السوريين في تركيا انخفض إلى 3.6 ملايين، من غير أن تحيد تركيا عن الخط الإنساني في سياستها إزاء اللاجئين.


ثالثًا: لقد بدأت تركيا منذ وقت طويل في العمل على بناء جدار أمني على الحدود مع سوريا، وكذلك الحال على الحدود مع إيران، من أجل منع هجرة الأفغان غير الشرعية نحو تركيا.


وبالطبع مهمة الجدران الآمنة على الحدود مع سوريا ليست لمكافحة الهجرة فحسب، بل من أجل مكافحة الإرهاب أيضًا، ومن الواضح للغاية كيف أسهم ذلك بشكل فعال في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة.


هذا النهج تحاول تركيا أن تسلكه في أفغانستان أيضا، بيد أن البعض ما زال يتساءل بسفاهة عن جدوى الوجود التركي هناك، ونقول لهؤلاء ممن ينقصهم بعد النظر إن الوجود التركي في أفغانستان هدفه معالجة الداء من المنبع، ومحاولة الحد من إنتاج مزيد من المهاجرين الأفغان على المدى الطويل.


وبشكل عام، لا يمكن القول إن الهجرة أزمة تعني تركيا وحدها، بل هي أزمة يتحمل مسؤوليتها العالم كله، لا سيما البلدان المتقدمة، ومع ارتفاع مستوى انعدام العدالة في توزيع الدخل في العالم، ومع زيادة وتيرة عدم الاستقرار، من الطبيعي أن تتزايد موجات الهجرة من المناطق الفقيرة وغير الآمنة، نحو المناطق الغنية والآمنة، وهذه من أبسط قواعد علم الاجتماع وأكثرها شيوعًا.


والأصل أن تُعالج هذه الأزمة ضمن أكثر الطرق إنسانية لأنه مهما حاولت بلدان العالم مكافحة الهجرة بوسائل أخرى، لن تتخلص منها، وأكبر دليل هو الولايات المتحدة نفسها، التي لم تستطع حتى الآن وقف موجات الهجرة من أمريكا اللاتينية، رغم كل التدابير المتخذة والجدران التي أقامها ترمب.


يذهب البعض إلى اعتبار أزمة الهجرة في تركيا مهددا لاقتصاد البلاد واستقراها السياسي، لكن على العكس من ذلك، فهي تشير إلى تطور البلد مما جعله مقصدًا أفضل وأكثر أمانًا.


لا نحبذ قول ذلك، لأن البعض قد يجد فيه شبهة للاستغلال الاقتصادي، بالنظر إلى ما قد يوفره هؤلاء المهاجرون لسوق العمل من عمالة رخيصة، ولدحض هذه الشبهة، نؤكد أن الاقتصاد التركي قوي لدرجة أنه سرعان ما يستوعب هؤلاء المهاجرين ويدمجهم في سوق العمل، خصوصا وأنهم يلبون -بفضل كفاءتهم ومهارتهم- الطلب المتزايد في مجالات الزراعة والبناء والإنتاج الصناعي في تركيا.


وإذا أخذنا اللاجئين السوريين كمثال على ازدواجية المعايير لدى البعض، نجد أن السوريين في نظر هؤلاء عبء على الاقتصاد التركي، وحينما نبلغهم أن السوريين مفيدون للاقتصاد ولسوق العمل، يقولون “إليكم هذا الاعتراف: تركيا تستغل العمالة الرخيصة للسوريين”. إنهم بارعون فقط في تأجيج مشاعر الناس عبر اللعب على وتر اللاجئين، ولا نجد لهم أي جهد في دعم اللاجئين.


فئة أخرى تعترض بشدة على مقارنة المهاجرين السوريين والأفغان في تركيا، بالأتراك الموجودين في ألمانيا. وأيا تكن دوافع هؤلاء في الاعتراض على المقارنة، فإن الشبه واضح، خصوصا فيما يتعلق بالدوافع وراء لجوء الأفغان بشكل خاص إلى تركيا. ويجدر في هذا الصدد الاستشهاد بما كتبه يلدراي أوغور في إحدى مقالاته، حيث أوضح لماذا لا يمكن بأي حال استبدال العمالة الماهرة الأفغانية، لا سيما في مجالات الزراعة وتربية الحيوانات.


ليتنا نركز أكثر على مناقشة الحقوق التي لم يتمتع بها هؤلاء اللاجئون، أو المعاملة الإنسانية التي لم يحظوا بها، بما في ذلك حق العلاج، مقابل إسهاماتهم الكبيرة لبلدنا، آمل أن نتمكن من ذلك.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط 

 

 
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3