الشاعرة لميعة عباس، طرائف رائعة عن اجمل نساء العراق

#عماد_الأصفر

2021.06.25 - 11:13
Facebook Share
طباعة

 
 
لميعة ومحمود درويش وياسر عرفات وجبرا ابراهيم جبرا
لميعة عباس عمارة شاعرة عراقية، كانت بنت اربعة عشر ربيعا عندما علق ايليا ابو ماضي على احدى قصائدها قائلا: "اذا كان في العراق مثل هؤلاء الاطفال فعلى اية نهضة شعرية يقبل العراق؟!!" أجادت في الشعر الشعبي والفصيح بقسميه الحر والعمودي، وعدها النقاد ركنا من اركان الشعر كالبياتي والسياب ونازك الملائكة.
لم تكن مسلمة شيعية ولا سنية ولا مسيحية كانت من الصابئة المندائيين ديانة، ومن اليساريين نهجا سياسيا ومن الديمقراطيين التقدميين سلوكا اجتماعيا، عارضت البعث والبعثيين، ودفعت ضريبة ذلك.
عاشت وهي طفلة في مدينة العمارة، وفي حديث مع نشرة "جدلية" قالت عن تلك الفترة: "وجدت في لغتهم الكثير من الفصحى المنسية والعواطف الحقيقية، وجدت في العمارة روح الشعر، الكل يشعر، عمال البناء، بائعو الخضار ينادون بوزن وقافية ويؤلفون الردات للمزح وتسيير الوقت خلال العمل، وكذلك الشعائر الحسينية أو مرثيات الحسين، كنت أذهب من "مرثية الى مرثية" وكنت أكثر الناس بكاء، تعلمنا على هذا الوزن وهذه اللمسة الإنسانية. الرثاء الحسيني يُعلم رقة القلب. تعلمنا الكرم الحقيقي والبساطة. أهل العمارة طيبون جداً وبسطاء الى أبعد الحدود. أطيب أكلة عندنا كانت هي الخبز والبصل والملح الخشن على سطح البيت. انا أحببت كل شيء في العمارة.
انتقلت الى بغداد لتدرس في دار المعلمين ضمن نسبة الـ 2% المخصصة للمندائيين في مقاعد التعليم العالمي، فعاصرت هناك السياب والبياتي وعبد الرزاق عبد الواحد. كانت من اجمل بنات عصرها حتى قيل ان السياب كتب مطلع قصيدته انشودة المطر بعد ان تمعن في عينيها:
عيناكِ غابتا نخيل ساعة السَحَرْ
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء كالأقمارِ في نَهَرْ.
ظل السياب صديقها الاقرب حتى وفاته في الكويت، كانت تقول له بيتا او بيتين او فكرة شعرية فيرد عليها بقصيدة. وظلت يسارية مثله ومعارضة للنظام البعثي، وكان لها مآخذ على الشعراء الذين تقربوا من النظام مثل البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد ابن عمتها.
هاجرتْ من العراق عام 1978، وتنقلت بين عدة عواصم. اقامت ببيروت زمن الثورة، وحين كرمتها الحكومة اللبنانية بوسام الأرز تقديراً لمكانتها الأدبية لم تتسلم الوسام (لان الحرب الاهلية قائمة) وكتبت تقول:
على أي صدر احط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام
روى عنها الكاتب الفلسطيني المبدع صقر ابو فخر قصتين طريفتين اولاهما مع محمود درويش والثانية مع ياسر عرفات.
في إحدى المرات كانت تجلس إلى جانب ياسر عرفات، وكان محمود درويش يجلس أمامها، فراحت تتطلع إلى قسماته بروية. وعندما لاحظ محمود درويش ذلك فاجأها بسؤال محرج قائلاً: لماذا تحدقين في وجهي؟ فرد عرفات على الفور: وهل تريدها أن تحدق في وجهي أنا؟! وكتمت لميعة ما حصل إلى أن جمعها إلى محمود درويش وبعض أصدقائه لقاء سريع في صالة أحد الفنادق. فما كان منها إلا أن دفعت إلى محمود أمام الجميع ورقة فيها شعر رقيق ورائق هذا نصّه:
أَزحْ يا حبيبي نظارتيكَ قليلاً
لأمعن فيك النظرْ
فما لون عينيك؟
هل للغروب تميلان
أم لاخضرار الشجرْ؟
أحبهما،
فوالله من أجل عينيك محمود
أصبحت أعشق قصر البصرْ.
قرأ محمود درويش الورقة، ثم انثنى عليها ليقول لها باستفزازيته المعهودة:
لماذا تناديني "يا حبيبي" وأنت لا تقصدين ذلك؟ فردت عليه فوراً: هكذا أنادي جميع أولادي. وتضاحك الجميع، وردت لميعة على "لؤم" محمود بلؤم مساوٍ.
وفي هذا الميدان اشتهرت قصيدتها التي قالتها في ياسر عرفات شهرة فائقة في بيروت، وكان أبو عمار آخر مَن وصلته أصداء تلك القصيدة فطلب من يحيى يخلف أن يأتيه بنصها، وحين قرأها يحيى يخلف عليه طرب لها أشد الطرب، وكانت النشوة تفور من عينيه مع كل جملة. وهذا بعضها:
صنوُ الملوكِ ويطلبون رضاهُ / يختال من زهدٍ على دنياهُ
لا بيت، سرجٌ داره، ومروره / حلم، وبغتةُ ضيغم مسراهُ
كل الشعوبِ توحدت في شعبه / وحدوده أنى تشير يداهُ
يدعونه الختيار، ذلك لحكمة / وأنا كما الطفل النقي أراهُ
لولا جلالة قدره ولكونه / رمز الفداء لخلتني أهواهُ.
لميعة التي اهدت ياسر عرفات هذا المديح رفضت ان تمدح غيره من الزعماء، أخرجها المدرسون من الصف وهي صغيرة وضعوها في غرفة المكتب ووضعوا امامها قلما واوراق، وطلبوا منها ان تكتب قصيدة بمناسبة ميلاد الملك. انتظروها يوما كاملا ولم تكتب شيئا.
وفي إحدى المناسبات دعاها أحمد حسن البكر وقال لها: "يا بنتي هاي شيبتي ما تستاهل تكتبين لي قصيدة". فردت عليه: لا أجيد هذا النوع من الشعر، وهناك من هو أحسن مني. قال: ومن يكون أحسن من لميعة؟ قالت: عبد الرزاق عبد الواحد. وفعلاً دعاه وكتب له.
التقت بفريد الأطرش وطلب منها قصيدة فقدمت له قصيدة اسمها "الغد الأعمى"، فرفض. قالت له لماذا هذه من أجمل قصائدي؟، قال: لا أريد ان ينادي الناس "يا أطرش غني الأعمى".
في مقابلة اجرتها معها مؤخرا عفاف نعش اختصرت الشاعرة لميعة وضع العراق ادبا وسياسة بالقول: الشعر كثير في جنوب العراق وهو شعر حزين، فالحزن متعمق هناك، والجنوب كله مآسي، قطيعة مع بغداد وفقر. حتى أن الطريق الذي يوصل ببغداد لم يكن معبداً كي يمنع هجرة الفلاح. الفلاح العراقي كان مظلوماً تحت سيطرة الإقطاعي ولهذا كانت الحركة الشيوعية قوية في المناطق الجنوبية. وعندما جاء عبد الكريم قاسم وبلط الطرق هاجر الفلاح فكانت مدينة الثورة التي سميت بعدها مدينة صدام ثم مدينة الصدر ولا أعرف ماذا بعد ذلك.
تعيش لميعة اليوم في شقة صغيرة بكاليفورنيا قرب اولادها، وما تزال محتفظة بذلك الرونق الانثوي العراقي الذي اهلها لتكون موديلا ولوحة للفنان والنحات العراقي المبدع جواد سليم صاحب نصب الحرية القائم وسط بغداد.
ذهبت الى مرسم جواد سليم لتعلم الرسم، فحولها الى موديل، قالت له مشاكسة: إعتن باللوحة جيدا، غدا سيقولون هذا هو الفنان الذي رسم الشاعرة لميعة، فرد عليها: بل سيقولون هذه هي الشاعرة التي رسمها جواد سليم.
عرضت اللوحة بعد ذلك للبيع بـ 50 دينارا، ولم تستطع لميعة شرائها فاشتراها الروائي الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا وعلقها في منزله.
تضيف لميعة وقد قاربت التسعين من العمر: بعد كل هذا، انتهى به المطاف للعيش تحت رحمة تقاعد خدمة المسنين الأمريكي، يدي تمتدُ لصدقات يرميها الذي قتل الحضارةَ للقتيلِ، هذا هو مصير العراقيين في الغربة.
لوحة لميعة عباس عمارة كما رسمها الفنان #جواد_سليم سنة 1954.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 4