الانهيار المالي في لبنان.. كيف حصل؟

إعداد - رؤى خضور

2021.06.21 - 07:58
Facebook Share
طباعة

يستمر الإضراب العام الذي بدأ يوم الخميس في لبنان احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية في البلاد مع استمرار تراجع قيمة الليرة اللبنانية، وارتفاع البطالة وأسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والغاز بشكل كبير، لم يتمكن السياسيون من الاتفاق على تشكيل حكومة حكومية جديدة وسط المشاكل الاقتصادية.

ولم تفتح عدة متاجر وبنوك وشركات ومكاتب حكومية يوم الخميس، وأقام المتظاهرون حواجز طرق في العاصمة بيروت، وفي حين أعربت بعض الأحزاب السياسية اللبنانية عن دعمها للإضراب، انتقد المتظاهرون مشاركة الأحزاب في الحدث، حيث ألقوا باللوم على السياسيين لفشلهم في تشكيل الحكومة و"التسبب بالانهيار الاقتصادي والمالي"، بحسب وكالات الأنباء المحلية اللبنانية.

ووفقاً لآخر إصدار من المرصد الاقتصادي للبنان التابع للبنك الدولي من المرجح أن تحتل الأزمة الاقتصادية والمالية المرتبة العشر الأولى، وربما الثالثة، والأكثر حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر مع عدم وجود نقطة تحول واضحة في الأفق.

كما ورد في كتاب (الكساد المتعمد) خريف 2020، أن استجابات السياسة من قبل القيادة اللبنانية لهذه التحديات كانت غير كافية، ويعزى ذلك إلى الفجوات المعرفية، وعدم وجود توافق سياسي حول مبادرات السياسة الفعالة، فضلاً عن الدفاع عن النظام الاقتصادي المفلس، والذي استفاد منه قلة لفترة طويلة.

قال ساروج كومار جها، المدير الإقليمي للمشرق بالبنك الدولي "يواجه لبنان استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، ومن المرجح أن تستغل العمالة الماهرة العالية الفرص المحتملة في الخارج، ما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد"، وأضاف "فقط حكومة ذات عقلية إصلاحية، وتشرع في مسار موثوق نحو التعافي الاقتصادي والمالي، يمكنها إيقاف مزيد من الغرق في لبنان ومنع مزيد من التشرذم الوطني"، وفقاً لموقع The World Bank.

وفي هذا السياق، نشرت وكالة رويترز مقالاً بتاريخ 17 حزيران/يونيو لكاتبه إدموند بلير يشرح فيه أسباب الانهيار المالي في لبنان، فذكر أن بعض الاقتصاديين يصفون النظام المالي في لبنان بأنه مخطط بونزي خاضع للتنظيم الوطني، أي يتم اقتراض أموال جديدة لتسديد أجور الدائنين الحاليين، ويعمل حتى نفاد الأموال الجديدة، ولكن كيف وصل لبنان إلى هنا؟

يجادل الكاتب أن لبنان بعد الحرب الأهلية وازن دفاتره بإيرادات السياحة والمساعدات الخارجية والأرباح من صناعته المالية وسخاء دول الخليج العربية، التي مولت الدولة من خلال تعزيز احتياطيات البنك المركزي، فضلاً عن التحويلات المالية من ملايين اللبنانيين في الخارج التي كانت من أكثر مصادر الدولار.

لكن التحويلات بدأت في التباطؤ منذ العام 2011 حيث أدى الخلاف الطائفي في لبنان إلى مزيد من التصلب السياسي وانزلق جزء كبير من الشرق الأوسط ، بما في ذلك سورية المجاورة، إلى الفوضى، كما ابتعدت دول الخليج في ظل نفوذ إيران في لبنان، وارتفع عجز الميزانية وانخفض ميزان المدفوعات بشكل أعمق في المنطقة الحمراء، حيث فشلت التحويلات في مضاهاة واردات كل شيء من المواد الغذائية الأساسية إلى السيارات الحديثة.

كان ذلك حتى العام 2016، عندما بدأت البنوك في تقديم أسعار فائدة ملحوظة على الودائع الجديدة بالدولار، ومعدلات أفضل لودائع الليرة اللبنانية.

وبحسب المقال، فإن رياض سلامة، المصرفي السابق في ميريل لينش منذ العام 1993، والذي قاد بنك لبنان المركزي، أدخل "الهندسة المالية"، وهي مجموعة من الآليات ترقى إلى تقديم عوائد كبيرة للبنوك مقابل الدولار الجديد، فظهر تحسن تدفقات الدولار في ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية، لكن تم القضاء على أصول البنك المركزي بسبب ما يدين به، وهو ما هدد بالتعرض لخسائر كبيرة.
في غضون ذلك، ارتفعت تكلفة خدمة ديون لبنان إلى نحو ثلث إنفاق الميزانية أو أكثر.

ما الذي أدى إلى الانهيار؟

عندما احتاجت الدولة إلى كبح جماح الإنفاق، تباهى السياسيون بزيادة رواتب القطاع العام قبل انتخابات 2018، وأدى فشل الحكومة في تنفيذ الإصلاحات إلى تراجع المانحين الأجانب عن مليارات الدولارات من المساعدات التي تعهدوا بها.

حتى جاءت الشرارة الأخيرة للاضطرابات في تشرين الأول/أكتوبر 2019 مع خطة لفرض ضرائب على مكالمات WhatsApp، ومع وجود عدد كبير من المغتربين، كان فرض رسوم على وسيلة اتصال عديد من اللبنانيين بأقاربهم كارثياً.

فاندلعت احتجاجات حاشدة تطالب بالتغيير الشامل ضد النخبة السياسية، وجفت تدفقات النقد الأجنبي وخرجت الدولارات من لبنان، ولم يعد لدى البنوك ما يكفي من الدولارات للدفع للمودعين الذين يقفون في طوابير في الخارج، لذلك قاموا بإغلاق أبوابهم، مع انهيار حاد للعملة المحلية حيث تراجعت من 1500 مقابل الدولار إلى نحو 15000 في حزيران/يونيو من هذا العام.

وتفاقمت المشاكل بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس الذي راح ضحيته 190 شخصاً، وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات.

ماذا يحدث الآن؟

أشار بلير في مقاله إلى أن فرنسا تقود الجهود الدولية لدفع لبنان للتصدي للفساد وتنفيذ إصلاحات أخرى يطالب بها المانحون، لكن لبنان بحاجة إلى تشكيل حكومة جديدة حتى يتمكن من استئناف المحادثات المتوقفة مع صندوق النقد الدولي، ويحتاج السياسيون والمصرفيون إلى الاتفاق على حجم الخسائر الفادحة وعلى الخطأ الذي حدث، حتى يتمكن لبنان من النهوض والتوقف عن العيش بما يتجاوز إمكانياته. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1